المصدر /معهد دراسات الأمن القومي
المؤلف/ كرميت فالنسي
تعكس التقارير التي تتحدث عن محادثات بين سورية وإسرائيل تحوُّلاً جذرياً في السياسة الإسرائيلية تجاه سورية، وتشير إلى مرحلة جديدة في تعامل إسرائيل مع النظام الجديد فيها. وخلال الأشهر السبعة التي مضت منذ تولّي النظام الجديد، برئاسة أحمد الشرع، السلطة في دمشق، تطوّرت السياسة الإسرائيلية عبر مسار مكوَّن من ثلاث مراحل تقريباً:
في المرحلة الأولى، اتّبعت إسرائيل سياسة عسكرية هجومية، شملت السيطرة على جنوب سورية، وشنت ضربات مكثّفة هدفت إلى تدمير الأسلحة الاستراتيجية في البلد، إلى جانب دعم علني وفعّال للأقليات، ولا سيّما الدروز. وقد رافقت الحملة العسكرية تصريحات مشبعة بالتشكيك والتهديد من جانب مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية تجاه الرئيس الجديد، متّهمين إيّاه بأنه جهادي لم يتخلَّ عن مواقفه المتطرفة؛ ففي كانون الثاني/يناير 2025، صرّح وزير الخارجية جدعون ساعر قائلاً: “نحن نتعامل مع جماعة جهاديين متطرّفين انتقلت ببساطة من إدلب إلى دمشق.” وفي آذار/مارس، قال وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، إن الحكومة الجديدة في سورية يقودها “’إرهابي‘ جهادي من مدرسة القاعدة.” وفي تلك الفترة، عزّزت إسرائيل وجودها في المنطقة العازلة وفي جبل الشيخ السوري، ونفّذت غارات في جنوب سورية هدفت إلى تقويض القدرات العسكرية، لكنها كثيراً ما أدّت إلى احتكاك مع جهات مسلّحة وسكان محليين. ولا تزال إسرائيل نشيطة في مناطق كانت تُعتبر في السابق منزوعة السلاح، وطالبت بنزع السلاح بالكامل من جنوب دمشق، وشنّت غارات داخل سورية، بما في ذلك قرب قصر الرئاسة في دمشق، وذلك رداً على مواجهات بين النظام والدروز. كما شنّ الجيش الإسرائيلي غارات في عمق سورية، بما في ذلك على قواعد سلاح الجو في “T4” وتَدْمُرْ، بعد أن أعربت تركيا عن نيتها إقامة وجود عسكري هناك، وقد هدفت هذه الضربات إلى توجيه رسالة فحواها أن إسرائيل لن تقبل بأي تحرّك تركي يمكن أن يمسّ بحرّية نشاطها الجوي.
وفي المرحلة الثانية (نيسان/أبريل – أيار/مايو 2025)، لوحظ تراجُع نسبي في النهج الهجومي الذي اتّبعته إسرائيل، وقد تجلّى ذلك في تقليص وتيرة الضربات العسكرية وتخفيف حدّة التصريحات العدائية تجاه أحمد الشرع. وفي تلك الفترة، سُجّلت تقارير عن اتصالات أولية بين جهات رسمية في إسرائيل وسورية، بوساطة دولة الإمارات العربية المتحدة. وبسبب المخاوف من احتكاك مع تركيا نتيجة قصف قواعد كانت أنقرة تنوي ترسيخ وجودها فيها، فقد انطلق في أذربيجان حوار مع الأتراك، انتهى بالاتفاق على إنشاء آلية مشتركة لتفادي الاحتكاك.
أمّا في المرحلة الثالثة (أيار/مايو – تمّوز/يوليو 2025)، فقد تبيّن أن إسرائيل وسورية تُجريان محادثات مباشرة، تتجاوز مجرّد التنسيق الأمني المحدود. وبعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض، جرى الحديث عن إمكان انضمام سورية إلى اتفاقيات أبراهام، وخلال لقائه الشرع، عبّر ترامب عن أمله بأن تنظر سورية في مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل والانضمام إلى الاتفاقيات المذكورة. وفي نهاية حزيران/يونيو، كشف رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، أن إسرائيل تُجري حواراً مباشراً مع النظام السوري ورئيس الدولة أحمد الشرع. وفيما يتعلّق بالتنسيقات الأمنية والسياسية، أوضح هنغبي أنّه يتولّى بنفسه إدارة هذا الملف، على خلفية إمكان إقامة علاقات بين إسرائيل وسورية، مضيفاً أنّ سورية ولبنان مرشَّحان لعملية تطبيع مع إسرائيل.
وفي الوقت ذاته، اندلعت حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران، وخلالها لم يكتفِ نظام الشرع بعدم إدانة الهجوم الإسرائيلي على إيران، كما فعلت أغلبية الدول العربية، بل أيضاً اختار تجاهُل النشاط الإسرائيلي الواسع الذي جرى على أراضيه. وخلال الحرب، عملت إسرائيل بحرّية تامّة في الأجواء السورية، إذ حلّقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في سماء البلد في طريقها نحو تنفيذ غارات في إيران، بينما قامت منظومة الدفاع الجوي السورية باعتراض مسيّرات وصواريخ كانت في طريقها إلى إسرائيل. وربما يُفهم هذا الموقف السوري إمّا بأنه تغاضٍ متعمَّد، وإمّا تنسيق صامت ومتَّفَق عليه بين الطرفين. وفي الحالتين، فإن سلوك سورية خلال هذا الصراع سلّط الضوء على المصلحة المشتركة بينها وبين إسرائيل: إضعاف النفوذ الإقليمي الإيراني، وتحييد التهديدات العسكرية التي تمثّلها إيران.
ومع ذلك، فإنه يبدو أنّ الدافع المركزي وراء تغيّر النهج الإسرائيلي تمثَّل في الاحتضان الأميركي للشرع، إلى جانب محاولة واشنطن دفْع إسرائيل إلى إنهاء الحرب في قطاع غزّة. وربّما تكون قد تبلورت في القدس قناعة بأنّ استمرار السياسة الهجومية تجاه سورية يمكن أن يُورّط إسرائيل أكثر مما يفيدها؛ فإجراءاتها التي استهدفت إحباط التهديدات الممكنة عبر الوسائل العسكرية أدّت في الواقع إلى تغذية المعارضة ضدّها، وقلّلت من شرعية الشرع، وعزّزت الأصوات المتطرّفة في سورية التي انتقدت نهجه المتساهل تجاه إسرائيل، ورفعت كذلك من إمكان اندلاع مواجهة عسكرية، وهو السيناريو الذي حاولت إسرائيل تجنُّبه أساساً عبر تدخّلها في سورية.
ومن المرجّح جداً أن يكون الردّ العسكري الإسرائيلي الأوّلي في سورية عقب سقوط نظام الأسد قد تحرّك بفعل صدمة 7 تشرين الأوّل/أكتوبر من جهة، والعزم الإسرائيلي على منْع تطوّر أي تهديد من الجبهة الشمالية يمكن أن يُفضي إلى هجوم مفاجئ، تماماً كما حدث عَقِبَ تمركز حركة “حماس” في قطاع غزّة، ومن جهة أُخرى، بفعل شعور متزايد بالثقة لدى إسرائيل، في ضوء الإنجازات العسكرية التي حقّقها الجيش خلال العام الماضي ضد “محور المقاومة”، بدءاً من عملية “البيجر” ضد عناصر حزب الله في لبنان، مروراً بالغارة التي نفّذتها قوّات الكوماندوز على منشأة سيرس في سورية، وصولاً إلى الضربات في إيران، والاغتيال التاريخي للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله.
ومع ذلك، فإنّ تغيُّر النهج الأميركي إزاء سورية واحتضان الرئيس ترامب للشرع، الذي بلغ ذروته في القرار برفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، صعّب على إسرائيل الاستمرار في التمسّك بخطاب هجومي ضدّ الشرع والتعامل معه كما لو أنّه ليس حاكماً شرعياً. وأُضِيفُ إلى ذلك الضغط الذي مارسه ترامب على إسرائيل لإنهاء الحرب في قطاع غزة. أمّا الحافز الذي وعد ترامب بتقديمه إلى إسرائيل في مقابل ذلك، فتمثّل في انضمام دول إضافية، بينها سورية، إلى اتفاقيات أبراهام.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن أن يُعزا التحوّل في الموقف الإسرائيلي بالكامل إلى الدور الأميركي، إذ إنّ تقليص النشاط العسكري الإسرائيلي في سورية بدأ حتى قبل لقاء الرئيس ترامب بالرئيس الشرع الذي جرى في أيار/مايو في الرياض، وربّما جاء نتيجة قناعة إسرائيلية بأنّ الاستمرار في النهج الهجومي والغارات العسكرية يمكن أن يرفع من إمكان التصعيد والاحتكاك مع سورية، بدلاً من تقليله. وإلى جانب ذلك، فإنه لم يكن في إمكان إسرائيل تجاهُل سياسة ضبط النفس التي اعتمدها الشرع تجاهها، ولا بعض الخطوات التي اتخذها، والتي تخدم إلى حدّ بعيد المصلحة الأمنية الإسرائيلية، كاعتقال فلسطينيين مرتبطين بحركتَي “حماس” والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وكذلك جهوده المستمرّة في محاربة تهريب الأسلحة ومساعي حزب الله للتعاظم العسكري داخل سورية.
إنّ تضافُر هذه العوامل، إلى جانب حقيقة أنّ إسرائيل تدخل مرحلة التفاوض من موقع قوّة بعد إنجازاتها العسكرية، حتى بعد الضربة الناجحة في إيران، يجعل إمكان التوصّل إلى تسوية مع سورية أكثر سهولة من حيث الدفع بها، وترويجها، وقبولها داخلياً.
نطاق المحادثات، المصالح والمخاطر
عندما بدأ الحديث عن المفاوضات الناشئة بين الطرفين، أمكن هذا رصْد فجوة لافتة بين طريقة تناول الموضوع في إسرائيل وتغطيته في سورية؛ ففي إسرائيل، شاع استخدام مصطلح “تطبيع”، وتكررت الإشارة إلى إمكان انضمام سورية إلى اتفاقيات أبراهام. وفي المقابل، اتسم الخطاب السوري بالحذر والتواضع، واقتصر على نطاق أضيق. ومن وجهة النظر السورية، فإنّ هذه المحادثات تهدف إلى إبرام اتفاق عدم اعتداء، وصوغ صيغة محدثة لاتفاقيات فصل القوات لسنة 1974. ومن المبكر الحديث عما هو أبعد من ذلك، إذ سبق للشرع أن صرّح بأنّ “الأوضاع لم تنضج بعد لخطوة كهذه.”
ويرى محللون سوريون أنّ النظام لا يستبعد إمكان تطبيع العلاقات بالكامل مع إسرائيل، غير أن تنفيذ خطوة كهذه مرهون بالتطورات الإقليمية، وفي الدرجة الأولى بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية، وكذلك بإيجاد حل لقضية مرتفعات الجولان. وتشير الحكومة السورية الجديدة إلى أنّ أولويتها هي رفاه المواطنين وإعادة إعمار الدولة، لذا، فهي تكتفي في هذه المرحلة باتفاق أمني ضيّق، يشكّل قاعدة لتوسيع التعاون الاقتصادي لاحقاً. وعلاوة على ذلك، فإن النظام السوري لا يرغب في أن يُنظر إليه كمن يسارع إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وخصوصاً في ظل الانتقادات الداخلية الموجهة نحو سياسة الشرع “المتساهلة”، ويذهب البعض إلى القول إنّ أي خطوة تتجاوز اتفاق عدم الاعتداء ستكون بمثابة “انتحار سياسي”.
وعلى الرغم من الحماسة التي أبداها الرئيس ترامب إزاء إمكان انضمام سورية إلى اتفاقيات أبراهام، فإن الإدارة الأميركية تدرك تعقيد الوضع، كما يتضح من تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، توم باراك، الذي قال: “تُبدي إدارة ترامب رغبة في انضمام سورية إلى اتفاقيات أبراهام، غير أن هذه عملية ربما تستغرق وقتاً طويلاً بسبب وجود معارضة داخلية ممكنة في سورية… على الرئيس الشرع أن يتصرّف بحذر كي لا يظهر أمام الشعب السوري وكأنه خضع لضغوط خارجية، وهو ما يمكن أن يهدد مكانته.” وأضاف باراك أن مسارات الدمقرطة أو بناء حكم شامل في سورية لن تحدث قريباً، وليست بين المتطلبات الأساسية التي تطرحها واشنطن حالياً.
ترتبط قضية الشرعية أساساً بمسألة مرتفعات الجولان، التي لا تزال قضية مفصلية؛ فمن جهة، يُدرك الشرع أنّ إسرائيل غير مستعدة لتقديم تنازلات في هذا الملف، نظراً إلى عدم وجود إجماع سياسي وشعبي إسرائيلي يسمح بذلك. وكان وزير الخارجية، جدعون ساعر، قد أوضح أنه لا مانع من انضمام سورية إلى اتفاقيات أبراهام شرطَ أن تتنازل عن الجولان. ومن جهة أُخرى، فإنّ الشرع، الذي لا تزال شرعيته محدودة وتُلقى على عاتقه مسؤولية إثبات استقرار الدولة، لا يستطيع أن يسمح لنفسه، على الأقل في هذه المرحلة، أن يُنظر إليه كمن تخلّى عن الجولان. لذا، فمن الممكن أن تبرم سورية وإسرائيل اتفاقاً أمنياً ضيقاً، ويُترك موضوع ترسيم الحدود لمفاوضات مستقبلية.
ويثير النقاش المتجدد بشأن إمكان التوصّل إلى تسوية بين إسرائيل وسورية تساؤلات بشأن المكاسب التي يمكن أن يجنيها كل طرف من الاتفاق، وماهية المصالح التي يمكن أن تدفع دمشق إلى المضي قُدُماً، والفوائد الممكنة لإسرائيل. وإلى جانب الفرص، فهناك أيضاً مخاطر ملموسة تتطلّب تقديراً دقيقاً.
بالنسبة إلى إسرائيل، فإنّ اتفاقاً مع سورية يمكن أن ينطوي على مكاسب استراتيجية كبيرة: توفير جبهة شمالية هادئة مع ضمانات لاستمرار الهدوء، ووجود طرف سياسي واضح في حال حدوث خروقات، وتعاوُن مشترَك في مواجهة “محور المقاومة” (حزب الله، وإيران، والفصائل الفلسطينية)، انطلاقاً من تقاطُع المصالح الأمنية السورية والإسرائيلية في ظل هذا التهديد، ومن شأن التعاون الاستخباراتي والعسكري أن يعزز فاعلية المواجهة، بالإضافة إلى فرصة استعادة موقع إسرائيل الإقليمي والدولي، وخصوصاً بعد التآكل الكبير في شرعيتها نتيجة الحرب على قطاع غزة. وبالتالي، فإنّ الاتفاق مع سورية يمكن أن يُظهر إسرائيل كطرف بنّاء، ويعزز موقعها كعنصر استقرار في الشرق الأوسط.
أمّا من المنظور السوري، فإنّ اتفاقاً مع إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى اعتراف رسمي من إسرائيل بالنظام الجديد في سورية، وهو ما يُعَدّ مكسباً إضافياً على طريق تعزيز الشرعية الدولية للشرع. ومع ذلك، فإنّ المكسب الأهم بالنسبة إلى دمشق يتمثل في انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها في جنوب البلد، ووقْف الغارات الجوية، الأمر الذي سيسمح للنظام بتركيز موارده على تثبيت الدولة واستعادة السيادة السورية. ويمكن أن يتضمن الاتفاق أيضاً بنوداً ذات أهمية استراتيجية؛ كتنسيق أمني – استخباراتي بين سورية وإسرائيل في سياق مواجهة حزب الله والوجود الإيراني في سورية، وتوسيع لاحق للتعاون الاقتصادي، كاستيراد الغاز الإسرائيلي إلى السوق السورية، وتنسيق إدارة موارد المياه في حوض اليرموك بالشراكة مع الأردن، بما يعزز الاستقرار ويساهم في إعادة إنعاش الاقتصاد السوري.
وإلى جانب الفوائد الواضحة، فعلى إسرائيل أن تأخذ في الحسبان أيضاً المخاطر الممكنة، والتي تنبع أساساً من سرعة التحولات داخل سورية، فالنظام في دمشق لا يزال هشاً، ولا يسيطر فعلياً على معظم أراضي البلد، ويُعاني جرّاء شرعية منقوصة، ويواجه تحديات أمنية وسياسية متراكمة.
وإن أحد السيناريوهات غير المستبعَدة يتمثل في انهيار نظام الشرع أو فقدانه السيطرة على معاقله في سورية، وهو ما يُثير تساؤلات كبيرة بشأن مستقبل أي اتفاق ممكن مع إسرائيل. وقد حذّر توم باراك مؤخراً من أنّ “واشنطن قلقة بشأن سلامة الشرع، فجهوده لتأسيس حكم شامل وبناء علاقات مع الغرب يمكن أن تجعله هدفاً للاغتيال على يد متطرفين.” وفي حال انهار نظام الشرع أو تم اغتياله، فإنّ إسرائيل يمكن أن تجد نفسها قد انسحبت مبكراً من المنطقة العازلة، وهو ما سيُفقدها ميزة عسكرية مهمة، بينما ستنزلق سورية مجدداً نحو الفوضى والعنف على مقربة من حدودها. وإن سيناريو كهذا لا يُبدد المكاسب السياسية الممكنة من الاتفاق وحسب، بل أيضاً يمكن أن يُشكّل تهديداً أمنياً حقيقياً على الجبهة الشمالية.
خاتمة
على الرغم من المخاطر الكامنة في التوصّل إلى تسوية أمنية بين إسرائيل وسورية، فإنه يجب الإقرار بأنّ استمرار السياسة الهجومية الأحادية الجانب التي تنتهجها إسرائيل تجاه سورية يمكن أن يؤدي في الواقع إلى زيادة إمكانات الاحتكاك العسكري، ويُعرّض إسرائيل لمخاطر متصاعدة من جانب جهات متعدّدة تنشط في الساحة السورية. لذلك، وفي ظل دعم أميركي ودولي، فمن المناسب إتاحة فرصة لتسوية أمنية مسؤولة مع النظام السوري، لأن من شأن الاتفاق مع نظام الشرع أن يُساهم في استقرار الحدود الشمالية، ويُضعف المحور الإيراني، ويُحسّن مكانة إسرائيل على الساحة الدولية.
ومع ذلك، فإنه يتعيّن على إسرائيل أن تبقى يقِظة، وتدرك أنّ سورية لا تزال في حالة من عدم الاستقرار، وأنّ النظام السوري لا يسيطر على كامل أراضي الدولة، ولا يتمتّع بشرعية مكتملة، وبالتالي، ينبغي عليها أن تكون مستعدّة، استراتيجياً وعملياً، لإمكان عدم قدرة النظام الحالي على الوفاء بالتزاماته.
ومع ذلك، فإنه إذا ما ترسّخ مستوى من الثقة مع النظام الجديد في دمشق، وأثبت هذا الأخير قدرته على احترام تعهّداته، فستتمكّن إسرائيل من استغلال الزخم الحالي للدفع نحو مسار تطبيع متدرج مع سورية. وإن تطوّراً كهذا من شأنه أن يُبرز الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل، ويُقلّص خطر عودة التيارات الإسلامية المتطرّفة، ويُضعف النفوذ الإيراني في سورية والمنطقة ككل، كما سيُعزّز فرص الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل.